#صدر_حديثا | عشت خادمة، رواية للكاتبة البحرينية ندى نسيم، طبعة مشتركة بين اسكرايب وأفكار للثقافة والنشر - البحرين.
ما كنت أحسب حسابا لمرور الوقت والأيام التي تمضي سريعاً؛ متمردة على جروحنا، وآلامنا، ودموعنا، شئنا أم أبينا، ويوثق مضي السنوات في أعمارنا، فعند انتقالنا إلى بيت أبي، كان عمر عائشة عشر سنوات، وصالحة ثماني سنوات، لقد كبرتا في هذه المساحة الضيقة، حتى أني ندبت حظي، لأنهما لم يحظيا بطفولة طبيعية وسعيدة.
لا أتذكر أني كنت أشتري لهما الدمى والألعاب، لكن زوجة أبي كانت تتكرم عليهما بألعاب بسيطة، اعتقدت في البداية أن الطفلتين حركتا فيها معنى الإنسانية والرحمة، ولعلها كانت تشتريها إحساناً ولطفاً، ولكن سرعان ما اكتشفت أنها كانت تجمع الألعاب من مخلفات الجيران، تأكّدت من ذلك حين عودتي يوما ما من البرادة المحاذية لمنزل أبي، كانت صالحة يومها تحمل دمية متوسطة الحجم، ترتدي رداء أحمر، بدون شعر، وفي أثناء طريقنا صرخت ابنة الجيران مريم في وجه صالحة قائلة: (إنها دميتي.. أعيديها يا سارقة).
بكت صالحة من شدة الخوف، ورمت الدمية على الأرض. التقطتها مريم بسرعة، وراحت تصرخ مرة أخرى في وجه صالحة: (أين ذهب شعرها؟)، ردت صالحة بكل عفوية: (لقد مزقته). عادت مريم لرمي الدمية تحت أقدام صالحة قائلة: (تليق بك الدمى القذرة والممزقة. خذيها)، وفرت هاربة.
كانت صالحة صغيرة على استيعاب معنى كل كلمة قيلت حينها، وجعها الذي صب لهيباً في صدري وأتلف شراييني، منذ تلك اللحظة تأكدت أن زوجة أبي كانت تجمع الألعاب من القمامة، وتعطيها عائشة وصالحة عندما تكون الطفلتان في حضن جدهما، لتريه محاسن روحها التي لا تعرف معنى الرحمة، بل وكانت تتحين كل الفرص لتغرق أبي بصورتها المزيفة، لكي تنال المزيد من الرضى والاستحسان.
هذه التصرفات كانت كفيلة بإسعاد أبي المسن، الذي لا يفرق بين لعبة جديدة، أو مثيلتها من مخلفات القمامة، علمتني زوجة أبي درساً قاسياً في الإنسانية، وأكدت لي أن بعض القلوب التي ينعدم فيه الإحساس، من المحال أن يصحو فيها الشعور، ولو بعد قرن من الزمان.
الأقدار القاسية، حمَّلت هاتين البنتين أكثر من طاقتيْهما، فأصبحتا بديهياً تعيشان ضمن سياق المصير الموجع، حتى أصبح عمر عائشة ستة عشر عاماً، وصالحة أربعة عشر عامًا، بدأت الحياة تأخذ مساراً مختلفًا؛ تتذمّر الفتاتان من الوضع المذل الذي تعيشان فيه، وتلقيان باللوم، من حين إلى آخر، عليَّ، وكأني المذنبة أمام القدر، القدر الذي وضعنا في غرفة أشبه بإناء صغير، تتقاسم أنفاسنا الهواء مع زوجة أبي (كوماري)، والتي لم تكف يوماً عن إلحاق الضرر بنا، بسبب وبدون سبب.
لقد ضيَّقت منافذ المنزل المتواضع علينا، وحرمتنا من الخروج إلى صالة المنزل لمشاهدة التلفاز، بسبب هوسها بمشاهدة الأفلام الهندية في الليل والنهار، كما حرمت بناتي من فتح الثلاجة لأخذ أي مشروب أو قطعة فاكهة. احتلت كل مساحة البيت؛ برغباتها، وتسلطها، وصوتها المزعج. كانت تعاملنا كالخدم، وترى أنها السيدة الآمرة والناهية، ولم تكتفِ بذلك، بل كانت تستمتع برؤيتي في دور الخادمة التي تنفذ الأوامر، جعلت والدي يلزمني بتنظيف المنزل يومياً، وغسل الأواني، وكي الملابس، وكل ذلك نظير بقائي أنا وبناتي في تلك الغرفة الكئيبة التي ضاقت بنا ذرعاً بتذمرنا ذرعا. كان ينقصني استلام مكافأة نهاية الشهر كي أتأكد أني فعلاً كنت خادمة.
لاقتناء نسختك راسل اسكرايب عبر رسائل الصفحة الرسمية
أو عبر واتساب: wa.me/201140714600
وتجد إصدارات اسكرايب في فروع مكتبات أخبار اليوم
اعرف عنها من: shorturl.at/ghjzS