كم هو مؤلم أن تعيش حياتك التي تبلغ بضعة عقود وأنت في البلوغ وريعان شبابك وقوتك، تعيشها على حسب رغبات الآخرين! ما قيمة هذه الحياة؟ بل ما قيمة هذا العقل الذي ميزني الله به عن سائر مخلوقاته، إذ أني سأعيش على عقول غيري؟
وهل أنا هنا لأعيش كما تشتهون؟ وهل العمر يكفي لإرضائكم جميعاً؟ لو كنا سنعيش على عقول الآخرين لما أعطانا الله هذه العقول التي بها أصبحنا أفضل من الملائكة، لكان الله أعطى العقل لإنسان واحد فقط إذ هو الذي سيفكر عنا ويسيّر شؤون حياتنا، العقل الذي به نحل أكبر مشكلة معقدة في العالم بشرط التجرد عن الهوى، يا ويلي عليك أيها العقل ماذا فعلنا بك؟ لا نطعمك ولا نسقيك، وحتى الأوكسجين قطعناه عنك عندما قطعنا عنك القراءة، ولم ننمّيك عندما قطعنا عنك التفكير،
هم ألغوا عقولهم وذهبوا في سباتهم العميق ووكلوا مهمة التفكير إلى شرذمة منهم! فالتفكير عندهم فرض كفاية وعند البعض سنة محمودة، العقل الذي هو مناط التكليف والعمل به فرض عين به نستدل على صحة الحق من الباطل.
كم هو مؤلم أن تدرك الحقيقة وتسكت عنها خشية الأصوات وتجنباً للاصطدام مع عائلتك التي هي العائق الحقيقي في طريق العيش كيفما تشاء، كنت أواجه كل مَن يقف في وجهي متحدياً كل الصعاب لكني أضعف أمام عائلتي كيلا تعتقد أن أهل سيماف مُفضلين عندي أكثر منهم، كان هذا الاعتقاد الطفولي هاجسي في كل تصرفاتي، وإن تمردت وتصرفت كما أشاء، عشت في مستنقع الأسئلة: هل أهلي راضون عن تصرفي؟ لا بد أنهم منزعجون من تصرفي هذا ولا يصارحون كيلا أنزعج، هل يتحدثون عني في غيابي؟ ما القناعات والمواقف التي أخذوها مني بعد زواجي؟ فكانت هذه الأسئلة طالما ترادوني في أغلب تصرفاتي، لم أكن أشك في صحة تصرفاتي ولكن كانت هاجساً في مجتمع المشارقة المتواضع فكرياً.
بعد محاولات ونقاشات مغلقة ومفتوحة مع سيماف والعائلة تبين لي أن الأغلبية يرفضون ذهابي! والسبب هو «بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون»، هل آباؤكم كانوا صائبين في تفكيرهم هذا؟ لا يهم فإننا «بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون»، بالمختصر المُفيد: كن أمعة ولا تتعب نفسك بالتفكير، فقط قلد، غلف عقلك بالسلوفان.
فقررت ألا أذهب، وغلفت عقلي بالسلوفان وختمت عليه بالشمع الأحمر، نعم لقد رضخت لهم، رضخت للعادات والتقاليد، وهذه المرة الأولى التي أشعر بأني أرضخ لتغييب عقلي، عقلي الذي المُستفتى في كل شؤون حياتي، وهو القاضي الذي يصدر الأحكام ويخولني للسير، حاولت أن ألهو بشيء متناسياً هذه الحادثة التي حُفرت فيّ تاركة آفة غياب العقل وباعثة إلي بالجملة الطفولية المشهورة في المجتمع
«لا تحب أهل زوجتك كثيراً كيلا يستغلوا حبك لهم»، هكذا نحن نستغل العواطف لتحقيق رغباتنا، نستغل الآخرين بأن نضعهم أمام أسئلة مشروطة بأجوبة محددة، كالذي يسألك: هل تفضل تطليق زوجتك أم الزواج مرة ثانية؟ لا الطلاق والزواج
بل أفضل حل مشاكلنا.