صندوق نحاس

صندوق نحاس مليان ورق

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مقطع من “ليلة الفلفل في لوغانو / شاي مع ماريو فيتالي” للكاتب أحمد جمعة

ليلة الفلفل في لوغانو

بعد ليلة خريفية مضنية طبعتها الريبة والشكوك ورغم الإنهاك الذي داهمني بحدة وأنا ألوذ طوال الساعات بالشوارع على وجهي المغبر برياح الخريف، توجهت لمقهى الشباب بالمحرق عند السادسة بعد فجرٍ ضارٍ، لم أجد فيها سوى ثلاثة بحارة آسيويين أعرفهما منذ زمن، وأحد ملاك مخزن للحلوى الشعبية بذات الرقعة من السوق بالإضافة لعاملين هنديين يقومان بتلبية طلبات الرواد، يدعي أحدهما رام وهو نحيف ذو وجه مستدير وبشرة داكنة مع أسنان بارزة وعينان صغيرتان سوداوان، أسرع نحوي حالما وطأت قدمي المكان لعدم وجود زبائن فقد كان يتجاهلني بأوقات الزحمة، تناولت طبق فول لم أكمله ورشفت كوب شاي أحمر باستعجال وأشعلت سيجارتي ورحت أحدق بالطريق وأتأمل المشاة من مختلف الأطياف والجنسيات الذين غصت بهم الرقعة الضيقة بميدان سوق المحرق وأغلبهم من المتقاعدين أمثالي وأعداد هائلة من الآسيويين وبعض النسوة كبار السن. كانت هناك ثلاث سيارات سعودية هبط أصحابها وتوجهوا نحو محلات بيع الحلوى فيما اكتظت الساحة بأسراب طيور الحمام على الرصيف وسط كومة من الحبوب المنثورة بالأرض وإنائي مياه عكرة، كان الوقت صباحاً والشمس فاترة والغيوم تركض بالسماء من دون مؤشر على الأمطار فاليوم السابع أو التاسع والشمس تظهر وتغيب ولا علامة على الأمطار التي بدا أنها ستتأخر هذا العام.
تركت مقعدي بعد حين إذ أحسست فيه بالسأم ورحت أجول بالمكان دون أن أرمي لشيء محدد، رأسي كاد ينفلق لشدة تزاحم الأفكار التي لم تستقر على قرارٍ بشأن السفر، كنت أخشى التورط بمغامرة لا ناقة لي فيها ولا جمل كما يقولون، وبالوقت ذاته لا أعرف كيف أمضي الوقت وأنا بهذه الحالة من التشويش والضياع؟ فإذا لم يمر على فصلي من الخدمة سوى شهرٌ وهذا حالي الآن فما سيكون عليه الوضع بعد شهور تالية؟ أظنّ أني لن أكمل السنة حتى يكتشفوا جثتي هامدة بالدار بعد تعفنها.



شاي مع ماريو فيتالي


كانت السيارة تقطع الطريق، والسائق غارق في تفكير، وأضواء الشوارع، انبثقت شفافة، برغم بقايا خيوط الشمس الصفراء المائلة إلى اللون البرتقالي وقد انعكست على أطراف طوق الأشجار على مدى الشارع العام، ورفرفت الأوراق بنسماتٍ رشيقة، ظلت السيارة تنهب الطريق حتى حشرت في منعطفٍ متعرج اكتظ بطوابير السيارات… وقت روتيني بهذه الساعة من كل يوم…

“ما رأيك أن نلتقي مع أوليفيا روي، هناك رصيد مجمد منذ فترة تمكنت من تحريره، وأود استثماره هنا في مشروع فندقي يكلفني أكثر من طاقتي، تشتغل عليه المرأة السويسرية بجهدٍ ودقة، ودك تدخل معي؟”
رمقه الأسود بنظرة حادة، خلع نظارته ذات الإطار الرصاصي وقال بلهجة ساخرة.
“لو لم أعرفك ناصر، لقلت إنك تستغفلني، هل حولت حسابك هذا للخارج؟”
عند بوابة مطعم كباب سنترال تركيا، كان الزحام على أشده، بينما انشغل سعيد أبيك بفك اشتباك بين عدد من الزبائن على رصيف الشارع، ومعهم مدير مسئول الندل الذي تلطخت ملابسه ببقع الزيت…
“القهوة أغلى من مطعم خمس نجوم، والبيرة المحلية ثلاثة أضعاف سعرها في بقية المطاعم، القهوة هنا سيئة وأغلى من أي مكان في ميلانو بثلاثة أضعاف السعر العادي”
قال شاب يرتدي قميصًا أبيض ومخططًا بالأسود، برونزي البشرة، متوسط القامة، بدا من لهجته أنه سوري الجنسية، محتجًا وهو يعمد لإسماع الآخرين صوته… كان ثمة مارة، توقف بعضهم بفضول…
تدخل شاب آخر كان معه، طويل القامة أبيض البشرة، أكمل شكوى الأول بنبرةٍ أقل حدة…
“البيرة المحلية فاسدة، مع إننا نحتسيها في مطاعم أخرى جيدة، سعرها هنا ثلاث مرات أكثر تكلفة من أي مكان آخر، المكان الوحيد في ميلانو الذي يتقاضى اثنين يورو لكل طلب”
ظل العقيد أبيك يحاول إقناع النادل بصرف النظر عن الفاتورة، لكن ظل الآخر متشبثًا بها، ما دفع الشاب الأول للانفجار بصوتٍ عالٍ…

“لمسنا، أسبابًا وجيهة لنقول إن هذا المطعم فيه أردأ خدمة، المالك فظ، لم يحترم سؤلي ولم يستمع لرغبتي. الندل عصبيون، متعالون. طلبوا مني ترك الطاولة، لأنني كبير الحجم، هل تصدقون؟ عندما طلبنا البيتزا، قال النادل لا يمكننا طلب بيتزا واحدة لأربعة أشخاص، يجب علينا طلب اثنين على الأقل”

عن الكاتب

Hayam Fahim

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

جميع الحقوق محفوظة

صندوق نحاس

2025