كان كامل الدندراوى يرتدي حلة أنيقة سوداء اللون زادته أناقة ووسامة، كما لم يخف على الناظر إليه التوتر الذي بدا على وجهه، وهو يقبع خلف مكتبه الفخم مختلسا النظر نحو بابه، ثم النظر إلى هاتفه المحمول الذي لم يفارق يده، وكأنَّه في انتظار حضور شخصٍ يتمتع بالأهمية لديه، أو ربما يحمل له أخبارا هامة ينتظر سماعها ومعرفتها كما كان ينم تصميم مكتبه، وذلك الشخص الذي يقف أمام بابه في انتظار أيِّ تعليماتٍ يُصدرها إليه، وتلك الشهادات والأوسمة وأنواط التقدير التي تحتل جزءا كبيرا من جدران المكتب عن أهميته، والمكانة الرفيعة التي تبوأها في ذلك الجهاز الأمني رفيع المستوى، والذي ترتجف القلوب والأسماع لدى سماع اسمه في أي مناسبة، وكان كامل كذلك بالفعل؛ فقد كان من الضباط القلائل المُقربين من رئيس الجهاز، والمسموح لهم بالدخول إلى مكتبه شخصيا في أيِّ وقت، كما كان مسموحا له التصرف حسب مقتضيات المواقف، وحسبما يتراءى له دون الحصول على إذنٍ أو تصريح مسبق؛ فله أن يفعل ما يشاء، ثم يعود لاستكمال الإجراءات فيما بعد وبتاريخٍ مسبق، والكل يعلم أنه لم يصل إلى هذه المكانة من فراغ، بل وصلها عن استحقاق وجدارة؛ فقد كان من الأشخاص المجتهدين في حياتهم العملية؛ فلم تكن له وساطة أو محسوبية؛ فقد كان والده – رحمه الله – فلاحا بسيطا لم تنجح تلك الثروة الطائلة التي ورثها من أخيه -عم كامل- الذي كان مهاجرا لإحدى الدول الأوربية، ومات في ريعان شبابه، وكان والده هو وريثه الوحيد في تغييره رغم شرائه للعديد من العقارات والأراضي الزراعية بالقرية التي كان يقطن بها والقرى المجاورة، إنما كانت فائدتها الوحيدة دخول كامل لكلية الشرطة، والتخرج منها بمساعدة المسئولين الذين عرضوا عليه تولي منصب عمدة القرية مرارا وتكرارا، لكنه كان يرفض في إصرار لعزوفه عن المناصب وما تحمله من مشاكلَ ووجع للقلب على حد قوله، لكنه رحَّب بعرضهم السابق بدخول ابنه الوحيد كلية الشرطة فور إنهائه لمرحلة التعليم الثانوي؛ فقد كان ذلك حلما له أن يرى ابنه يرتدي بذلة الشرطة، وما تحمله لأصحابها من وقار وهيبة وقدرتها السحرية على فتح الأبواب المغلقة وتذليل العقبات والصعاب، ولعل كرمه الشديد مع الجميع وعدم تأخره في أفعال الخير هو ما كان يجعل الجميع يتهافتون للحضور إلى منزله، ولقد حقق الله له أمنيته، ومات بعد أن رأى ابنه كامل ضابط شرطة..