صندوق نحاس

صندوق نحاس مليان ورق

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مقطع من كتاب "نظرية كل شيء في علم الاقتصاد" للكاتب الجزائري د. جمال بوزي



سيتبادر إلى ذهن البعض أننا نحمل كينز والاقتصاديين بعده وزر أخطاء الاقتصاديين الكلاسيك، لأن كينز كان قد قلب الطاولة على الاقتصاد الكلاسيكي وقال أن الناتج يتحدد بالطلب لا العكس، وهو ما يفيد أن الاستهلاك هو الذي يخلق الإنتاج لا العكس، وهذا صحيح، فكينز هاجم قانون ساي وجاء بما يفيد عكسه تماما، لكنه بعد ذلك عاد من جديد ليؤمن بصحة قانون ساي من حيث لا يدري حين آمن واعتقد أن الاستثمار دالة في معدل الفائدة، بما مفاده أنه يمكن للاستثمار أن يزيد بمجرد انخفاض الفائدة بغض النظر عن تحرك الطلب على الاستهلاك، تماما كتوقع أن يزيد إنتاج الملح فقط لأن مصانع الملح استفادت من قروض بفائدة منخفضة، بينما في الحقيقة لن يزيد إنتاج الملح ما لم يزد استهلاكه حتى لو استفادت مصانع الملح من قروض مجانية أو هبات مالية، وهكذا في المحصلة فإن الاعتقاد بأن الاستثمار دالة في الفائدة يعتبر اعتقادا تاما بأن الإنتاج يخلق الطلب عليه، حتى وإن كان الأمر يبدو خفيا، إذن علم الاقتصاد لا يزال كلاسيكيا يؤمن بصحة قانون ساي، والاقتصاديون كلهم كلاسيك حتى أولئك الذين يحملون هواتف نقالة ويغردون في تويتر وفيسبوك.

فكيف وقع الاقتصاديون في هذا الخطأ الفادح؟ وكيف لم تكتشف أجيال عديدة من الاقتصاديين الكبار والصغار هذا الخطأ؟

يبدو أن السمك الذي كانوا يحضرونه لم يكن من صيدهم، إنما كان يعطى لهم، فمنعهم ذلك أن يتعلموا الصيد بأنفسهم، فالاقتصادي ليس هو من اكتشف أن الاستثمار دالة في الفائدة، بل تعلمه من الصيارفة بشكل مباشر، حيث يلاحظ هؤلاء الصيارفة والسماسرة دائما ومرارا أن المستثمرين يزيد طلبهم على القروض عندما يكون معدل الفائدة منخفضا، وينخفض طلبهم للقروض عندما يكون معدل الفائدة مرتفعا، وبالتكرار الدائم لحدوث هذه العلاقة العكسية في واقع الصيارفة العملي طبع في أذهانهم أنها مجرد بديهية لا تثير الشك إطلاقا، بعد ذلك جاء الاقتصادي عندما تأسس علم الاقتصاد فوجد هذه العلاقة قد ورثت أجيالا عديدة وبدت له مجرد بديهية منطقية لا تثير الشك ولا تطرح حولها التساؤلات العلمية، والحال هذه تشبه حالنا في كثير من المعتقدات الأخرى حيث يرث الأبناء دين آبائهم ويرثون الكثير من معتقداتهم وعاداتهم وغير ذلك.
لكن كان على الاقتصادي بعد تأسيس علم الاقتصاد أن يتشكك في كل شيء، فالعلم هو مسيرة تصحيح الأخطاء، وبالتالي هناك دائما أخطاء يجب تصحيحها، والمعرفة العلمية لا تكتفي بظواهر الأشياء، لكن الاقتصاديين لم يتشككوا في علاقة الاستثمار بالفائدة، وقد يعذر بعضهم لأنهم إلى جانب كونهم اقتصاديين كانوا أيضا صيارفة أو سماسرة أو يشتغلون في أسواق المال، وهو ما كان يتيح لهم ملاحظة تزامن العلاقة العكسية بين الاستثمار والفائدة في أرض الواقع، منهم مثلا دفيد ريكاردو أحد رواد علم الاقتصاد الأوائل فقد كان سمسارا في البورصة، وكذلك جون ماينرد كينز صاحب النظرية العامة ذائعة الصيت، وبوهم بافيرك الذي شغل منصب وزير المالية في مملكة السويد بعد أن حقق له كتاب من تأليفه بعنوان نظرية الفائدة شهرة واسعة وغير هؤلاء كثير، أما الاقتصاديين الأكاديميين الذين لم يتعرضوا لغسيل المخ عن طريق الملاحظة المباشرة للعلاقة العكسية بين الاستثمار والفائدة في واقع أسواق المال والقروض فكان حظهم أوفر في اكتشاف مكمن الخطأ أو على الأقل إثارة الشك حوله، ولذلك نجد فقرة من كلام روبرت مالتس مخاطبا دفيد ريكاردو كان يمكن أن تكون بداية الانطلاق نحو اكتشاف خطا العلاقة بين الاستثمار والفائدة، ومالتس كان أستاذا جامعيا، قال مالتس: "نرى في كل مكان في العالم طاقات إنتاجية هائلة غير مستخدمة، أفسر هذه الظاهرة بأن الافتقار لتوزيع سليم للناتج الفعلي يجعل الدوافع اللازمة لاستمرار الإنتاج غير متوفرة، أؤكد بوضوح أن محاولة التراكم بسرعة التي تقتضي بالضرورة تقليل الاستهلاك غير الإنتاجي إلى حد كبير، لا بد أن تكبح نمو الثروة قبل الأوان، وذلك لأنها تعيق البواعث المعتادة على الإنتاج بشكل كبير.. لكن لو كان صحيحا أن محاولة التراكم بسرعة ستحدث مثل هذا الانقسام بين العمل والأرباح لدرجة تصل تقريبا إلى تدمير الدافع للتراكم المستقبلي والقدرة عليه معا ومن ثم القدرة على إعالة وتشغيل عدد متزايد من السكان، أليس من اللازم أن يتم الاعتراف بأن محاولة التراكم هذه أو الادخار المفرط قد تكون في الحقيقة ضارة بالدولة.

عن الكاتب

Hayam Fahim

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

جميع الحقوق محفوظة

صندوق نحاس

2025